فصل: التّعريف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


ثالثاً - ما يتعلّق بالضّمان من أحكام

يتعلّق بضمان المغصوب المسائل التّالية‏:‏

أ - كيفيّة الضّمان‏:‏

23 - إذا هلك المغصوب عند الغاصب، وكان من المنقولات عند الحنفيّة، أو من العقارات أو المنقولات عند الجمهور، بفعله أو بغير فعله، فعليه ضمانه، أي غرامته أو تعويضه، لكن إذا كان الهلاك بتعدّ من غيره، لا بآفة سماويّة، رجع الغاصب عليه بما ضمن للمالك ؛ لأنّه يستقرّ عليه الضّمان، وعبارة الفقهاء، في ذلك‏:‏ الغاصب ضامن لما غصبه، سواء تلف بأمر اللّه أو من مخلوق‏.‏

وكيفيّة الضّمان‏:‏ أنّه يجب الضّمان بالمثل باتّفاق الفقهاء إذا كان المال مثليّاً، وبقيمته إذا كان قيميّاً، فإن تعذّر وجود المثل وجبت القيمة للضّرورة على ما سبق بيانه ‏(‏ف /19، 20‏)‏‏.‏

ب - وقت الضّمان‏:‏

24 - للفقهاء في وقت الضّمان مذاهب‏:‏

ذهب الحنفيّة في تقدير قيمة التّعويض ووقت وجوب ضمان المثليّ إذا انقطع من السّوق وتعذّر الحصول عليه ثلاثة أقوال‏:‏

الأوّل‏:‏ وجوب القيمة يوم الغصب، وهو يوم انعقاد السّبب عند أبي يوسف‏.‏

الثّاني‏:‏ يوم الانقطاع، وهو قول محمّد‏.‏

الثّالث‏:‏ يوم الخصومة وهو يوم حكم الحاكم، وهذا قول أبي حنيفة، وهو المعتبر في المتون والمختار، واختارت المجلّة قول أبي يوسف‏.‏ ‏(‏المادّة‏:‏891‏)‏‏.‏

وأمّا القيميّ فتجب قيمته يوم غصبه بالاتّفاق بين الحنفيّة‏.‏

وذهب المالكيّة‏:‏ إلى أنّه تقدّر قيمة المغصوب يوم الغصب ؛ لأنّ الضّمان يجب بالغصب، فتقدّر قيمة المغصوب يوم الغصب، فلا يتغيّر التّقدير بتغيّر الأسعار ؛ لأنّ سبب الضّمان لم يتغيّر، كما لم يتغيّر محلّ الضّمان‏.‏

لكن فرّق المالكيّة بين ضمان الذّات وضمان الغلّة، فتضمن الأولى يوم الاستيلاء عليها، وتضمن الغلّة من يوم استغلالها، وأمّا المتعدّي وهو غاصب المنفعة، فيضمن المنفعة بمجرّد فواتها على صاحبها وإن لم يستعملها‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأصحّ‏:‏ إلى أنّ المعتبر في الضّمان هو أقصى قيمة للمغصوب من وقت الغصب في بلد الغصب إلى وقت تعذّر وجود المثل، وإذا كان المثل مفقوداً عند التّلف فالأصحّ وجوب الأكثر قيمةً من الغصب إلى التّلف، سواء أكان ذلك بتغيّر الأسعار، أم بتغيّر المغصوب في نفسه‏.‏

وأمّا المال القيميّ‏:‏ فيضمن بأقصى قيمة له من يوم الغصب إلى يوم التّلف‏.‏

وذهب الحنابلة‏:‏ إلى أنّه إذا كان المغصوب من المثليّات، وفقد المثل، وجبت قيمته يوم انقطاع المثل ؛ لأنّ القيمة وجبت في الذّمّة حين انقطاع المثل، فقدّرت القيمة حينئذ كتلف المتقوّم، وإن كان المغصوب من القيميّات وتلف، فالواجب القيمة أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين الرّدّ، إذا كان التّغيّر في المغصوب نفسه من كبر وصغر، وسمن وهزال ونحوها من المعاني الّتي تزيد بها القيمة وتنقص ؛ لأنّ هذه المعاني مغصوبة في الحال الّتي زادت فيها، والزّيادة لمالكها مضمونة على الغاصب‏.‏ وإن كانت زيادة القيمة بتغيّر الأسعار لم تضمن الزّيادة ؛ لأنّ نقصان القيمة لهذا السّبب لا يضمن إذا ردّت العين المغصوبة بذاتها، فلا يضمن عند تلفها‏.‏

ج - انتهاء عهدة الغاصب‏:‏

25 - تبرأ ذمّة الغاصب وتنتهي عهدته بأحد أمور أربعة‏:‏

الأوّل‏:‏ ردّ العين المغصوبة إلى صاحبها ما دامت باقيةً بذاتها، لم تشغل بشيء آخر‏.‏

الثّاني‏:‏ أداء الضّمان إلى المالك أو نائبه إذا تلف المغصوب ؛ لأنّ الضّمان مطلوب أصالةً‏.‏ الثّالث‏:‏ الإبراء من الضّمان إمّا صراحةً مثل‏:‏ أبرأتك من الضّمان، أو أسقطته عنك، أو وهبته منك ونحوه، أو بما يجري مجرى الصّريح‏:‏ وهو أن يختار المالك تضمين أحد الغاصبين، فيبرأ الآخر ؛ لأنّ اختيار تضمين أحدهما إبراء للآخر ضمناً‏.‏

الرّابع‏:‏ إطعام الغاصب المغصوب لمالكه أو لدابّته، وهو يعلم أنّه طعامه، أو تسلّم الغاصب المغصوب على وجه الأمانة كالإيداع أو الهبة أو الإجارة أو الاستئجار على قصارته أو خياطته، وعلم المالك أنّه ماله المغصوب منه، أو على وجه ثبوت بدله في ذمّته، كالقرض، وعلم أنّه ماله، فإن لم يعلم بذلك لم يبرأ الغاصب، حتّى تتغيّر صفة الغصب‏.‏

د - تعذّر ردّ المغصوب‏:‏

26 - قد يتعذّر ردّ المغصوب لتغيّره عند الغاصب، وللفقهاء في ذلك أقوال‏:‏

قال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ تغيّر المغصوب عند الغاصب‏:‏ إمّا بنفسه أو بفعل الغاصب‏.‏

والتّغيّر بفعله قد يكون تغيّراً في الوصف أو تغيّراً في الاسم والذّات، وكلّ حالات التّغيّر يكون المغصوب فيها موجوداً‏.‏

فإذا تغيّر المغصوب بنفسه، كما لو كان عنباً فأصبح زبيباً، أو رطباً فأصبح تمراً، فيتخيّر المالك بين استرداد عين المغصوب، وبين تضمين الغاصب قيمته‏.‏

وإذا تغيّر وصف المغصوب بفعل الغاصب من طريق الإضافة أو الزّيادة، كما لو صبغ الثّوب، أو خلط الدّقيق بسمن، أو اختلط المغصوب بملك الغاصب بحيث يمتنع تمييزه، كخلط البرّ بالبرّ، أو يمكن بحرج، كخلط البرّ بالشّعير، فيجب إعطاء الخيار للمالك‏:‏ إن شاء ضمّن الغاصب قيمة المغصوب قبل تغييره، وإن شاء أخذه وأعطى الغاصب قيمة الزّيادة، مثلما زاد الصّبغ في الثّوب ؛ لأنّ في التّخيير رعايةً للجانبين‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ زيادة المغصوب إن كان أثراً محضاً، كقصارة لثوب وخياطة بخيط منه ونحو ذلك، فلا شيء للغاصب بسببها لتعدّيه بعمله في ملك غيره، وللمالك تكليفه ردّ المغصوب كما كان إن أمكن، فإن لم يمكن فيأخذه بحاله وأرش النّقص إن نقص، وإن كانت الزّيادة عيناً كبناء كلّف القلع وأرش النّقص إن كان، وإعادة المغصوب كما كان، وأجرة المثل إن مضت مدّة لمثلها أجرة، وإن صبغ الغاصب الثّوب المغصوب بصبغه وأمكن فصله أجبر عليه في الأصحّ، وإن لم يمكن فإن لم تزد قيمة المغصوب بالصّبغ ولم تنقص فلا شيء للغاصب ولا شيء عليه، وإن نقصت قيمته لزمه الأرش، وإن زادت قيمته اشترك فيه أثلاثاً‏:‏ ثلثاه للمغصوب منه وثلثه للغاصب‏.‏

ومذهب الحنابلة كالشّافعيّة إجمالاً، إلاّ أنّهم قالوا‏:‏ لا يجبر الغاصب على قلع الصّبغ من الثّوب ؛ لأنّ فيه إتلافاً لملكه وهو الصّبغ، وإن حدث نقص ضمن الغاصب النّقص ؛ لأنّه حصل بتعدّيه، فضمنه كما ذكر الشّافعيّة، وإن حصلت زيادة، فالمالك والغاصب شريكان بقدر ملكيهما، فيباع الشّيء، ويوزّع الثّمن على قدر القيمتين‏.‏

واتّفق المذهبان على أنّ الغاصب إذا غصب شيئاً، فخلطه بما يمكن تمييزه منه، كحنطة بشعير أو سمسم، أو صغار الحبّ بكباره، أو زبيب أسود بأحمر، لزمه تمييزه وردّه وأجر المميّز عليه، وإن لم يمكن تمييز جميعه وجب تمييزه ما أمكن، وإن شقّ ولم يمكن تمييزه فهو كالتّالف، وللمالك تغريم الغاصب‏:‏ المثل في المثليّ، والقيمة في القيميّ‏.‏

والخلاصة‏:‏ أنّ الفقهاء متّفقون على ضمان النّقص، وعلى حقّ الغاصب في الزّيادة‏.‏

وقد تتغيّر ذات المغصوب واسمه بفعل الغاصب، بحيث زال أكثر منافعه المقصودة، كما لو غصب شاةً فذبحها وشواها، أو طبخها، أو غصب حنطةً فطحنها دقيقاً، أو حديداً فاتّخذه سيفاً، أو نحاساً فاتّخذه آنيةً، فإنّه يزول ملك المغصوب منه عن المغصوب عند الحنفيّة والمالكيّة، ويملكه الغاصب ويضمن بدله‏:‏ المثل في المثليّ، والقيمة في القيميّ، ولكن لا يحلّ له الانتفاع به حتّى يؤدّي بدله استحساناً ؛ لأنّ في إباحة الانتفاع بعد ارتضاء المالك بأداء البدل أو إبرائه حسماً لمادّة الفساد‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن نقص المغصوب نقصاناً تنقص به القيمة، كأن كان ثوباً فتمزّق، أو إناءً فانكسر، أو شاةً فذبحت، أو طعاماً فطحن ونقصت قيمته، ردّه وردّ معه أرش ما نقص؛ لأنّه نقصان عين في يد الغاصب، نقصت به القيمة فوجب ضمانه‏.‏

فإن ترك المغصوب منه المغصوب على الغاصب وطالبه ببدله لم يكن له ذلك‏.‏

وعند الحنابلة - في الصّحيح من المذهب - لم يزل ملك صاحبه عنه، ويأخذه وأرش نقصه إن نقص، ولا شيء للغاصب في زيادته‏.‏

هـ - نقصان المغصوب‏:‏

27 - قال الجمهور غير الحنفيّة‏:‏ لا يضمن نقص المغصوب بسبب هبوط الأسعار ؛ لأنّ النّقص كان بسبب فتور رغبات النّاس، وهي لا تقابل بشيء، والمغصوب لم تنقص عينه ولا صفته‏.‏

وذكر المالكيّة أنّه لا اعتبار بتغيّر السّعر في السّوق في غصب الذّوات، أمّا التّعدّي فيتأثّر بذلك، فللمالك إلزام الغاصب قيمة الشّيء إن تغيّر سوقها عمّا كان يوم التّعدّي، وله أن يأخذ عين شيئه، ولا شيء على المتعدّي‏.‏

وأمّا النّقص الحاصل في ذات المغصوب أو في صفته، فيكون مضموناً سواء حصل النّقص بآفة سماويّة أو بفعل الغاصب‏.‏

إلاّ أنّ المالكيّة في المشهور عندهم قالوا‏:‏ إذا كان النّقص بآفة سماويّة، فليس للمغصوب منه إلاّ أن يأخذ المغصوب ناقصاً كما هو، أو يضمن الغاصب قيمة المغصوب كلّه يوم الغصب، ولا يأخذ قيمة النّقص وحدها‏.‏ وإن كان النّقص بجناية الغاصب، فالمالك مخيّر في المذهب بين أن يضمّن الغاصب القيمة يوم الغصب، أو يأخذه مع ما نقصته الجناية، أي يأخذ قيمة النّقص يوم الجناية عند ابن القاسم، ويوم الغصب عند سحنون، ولم يفرّق أشهب بين نقص بآفة سماويّة وجناية الغاصب‏.‏

أمّا الحنفيّة فقد ذكروا أحوالاً أربعةً لنقص المغصوب في يد الغاصب، وجعلوا لكلّ حالة في الضّمان حكماً، وهي ما يأتي‏:‏

الأولى‏:‏ أن يحدث النّقص بسبب هبوط الأسعار في الأسواق، وهذا لا يكون مضموناً إذا ردّ العين إلى مكان الغصب ؛ لأنّ نقصان السّعر ليس نقصاً مادّيّاً في المغصوب بفوات جزء من العين، وإنّما يحدث بسبب فتور الرّغبات الّتي تتأثّر بإرادة اللّه تعالى، ولا صنع للعبد فيها‏.‏ الثّانية‏:‏ أن يكون النّقص بسبب فوات وصف مرغوب فيه، كضعف الحيوان، وزوال سمعه أو بصره، أو طروء الشّلل أو العرج أو العور، أو سقوط عضو من الأعضاء، فيجب على الغاصب ضمان النّقص في غير مال الرّبا، ويأخذ المالك العين المغصوبة ؛ لبقاء العين على حالها‏.‏

فإن كان المغصوب من أموال الرّبا، كتعفّن الحنطة، وكسر إناء الفضّة، فليس للمالك إلاّ أخذ المغصوب بذاته، ولا شيء له غيره بسبب النّقصان ؛ لأنّ الرّبويّات لا يجيزون فيها ضمان النّقصان، مع استرداد الأصل ‏;‏ لأنّه يؤدّي إلى الرّبا‏.‏

الثّالثة‏:‏ أن يكون النّقص بسبب فوات معنًى مرغوب فيه في العين، مثل الشّيخوخة بعد الشّباب، والهرب، ونسيان الحرفة، فيجب ضمان النّقص في كلّ الأحوال‏.‏

لكن إن كان النّقص يسيراً، كالخرق اليسير في الثّوب، فليس للمالك سوى تضمين الغاصب مقدار النّقصان لبقاء العين بذاتها‏.‏

وإن كان النّقص فاحشاً كالخرق الكبير في الثّوب بحيث يبطل عامّة منافعه، فالمالك بالخيار بين أخذه وتضمينه النّقصان لتعيّبه، وبين تركه للغاصب وأخذ جميع قيمته لأنّه أصبح مستهلكاً له من وجه‏.‏

والصّحيح في ضابط الفرق بين اليسير والفاحش، هو أنّ اليسير‏:‏ ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنّما يدخل فيه نقصان في المنفعة، والفاحش‏:‏ ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة، ويبقى بعض العين وبعض المنفعة‏.‏

وقدّرت المجلّة ‏(‏م 900‏)‏ اليسير‏:‏ بما لم يكن بالغاً ربع قيمة المغصوب، والفاحش‏:‏ بما ساوى ربع قيمة المغصوب أو أزيد‏.‏

وإذا وجب ضمان النّقصان، قوّمت العين صحيحةً يوم غصبها، ثمّ تقوّم ناقصةً، فيغرم الغاصب الفرق بينهما‏.‏

وإذا كان العقار مغصوباً، فإنّه وإن لم تضمن عينه بهلاكه بآفة سماويّة عند الحنفيّة، فإنّ النّقص الطّارئ بفعل الغاصب أو بسكناه أو بسبب زراعة الأرض مضمون لأنّه إتلاف وتعدّ منه عليه‏.‏

اختلاف الغاصب والمالك في الغصب والمغصوب

28 - إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في أصل الغصب وأحوال المغصوب، فعند الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في قيمة المغصوب، بأن قال الغاصب‏:‏ قيمته عشرة، وقال المالك‏:‏ اثنا عشر، صدّق الغاصب بيمينه ؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته من الزّيادة، وعلى المالك البيّنة، فإن أقام المالك البيّنة على أنّ القيمة أكثر ممّا قاله الغاصب من غير تقدير سمعت، وكلّف الغاصب الزّيادة على ما قاله إلى حدّ لا تقطع البيّنة بالزّيادة عليه، وإن اختلفا في تلف المغصوب، فقال المغصوب منه‏:‏ هو باق، وقال الغاصب‏:‏ تلف، فالقول قول الغاصب بيمينه على الصّحيح ؛ لأنّه قد يتعذّر إقامة البيّنة على التّلف‏.‏

وكذلك لو اختلفا في قدر المغصوب أو في صناعة فيه، ولا بيّنة لأحدهما، فالقول قول الغاصب بيمينه، لأنّه منكر لما يدّعيه المالك عليه من الزّيادة‏.‏

وإن اختلفا في ردّ المغصوب، فقال الغاصب‏:‏ رددته، وأنكره المالك، فالقول قول المالك لأنّ الأصل معه، وهو عدم الرّدّ، وكذا لو اختلفا في عيب في المغصوب بعد تلفه، بأن قال الغاصب‏:‏ كان مريضاً أو أعمى مثلاً، وأنكره المالك، فالقول قول المالك بيمينه، لأنّ الأصل السّلامة من العيوب‏.‏

وذهب الحنفيّة‏:‏ إلى أنّه إذا قال الغاصب‏:‏ هلك المغصوب في يدي، أي قضاءً وقدراً ولم يصدّقه المغصوب منه، ولا بيّنة للغاصب، فالقاضي يحبس الغاصب مدّةً يظهر فيها المغصوب عادةً لو كان قائماً، ثمّ يقضي عليه بالضّمان ؛ لأنّ الحكم الأصليّ للغصب هو وجوب ردّ عين المغصوب، وأمّا القيمة فهي بدل عنه، وإذا لم يثبت العجز عن الأصل، لا يقضي بالقيمة الّتي هي خلف‏.‏

ولو اختلف الغاصب والمالك في أصل الغصب، أو في جنس المغصوب ونوعه، أو قدره، أو صفته، أو قيمته يوم الغصب، فالقول قول الغاصب بيمينه في ذلك كلّه ؛ لأنّ المالك يدّعي عليه الضّمان، وهو ينكر، فكان القول قوله بيمينه ؛ لأنّ اليمين في الشّرع على من أنكر‏.‏

ولو ادّعى الغاصب ردّ المغصوب إلى المالك، أو ادّعى أنّ المالك هو الّذي أحدث العيب في المغصوب، فلا يصدّق الغاصب إلاّ بالبيّنة، لأنّ البيّنة في الشّرع على المدّعي‏.‏

ولو تعارضت البيّنتان، فأقام المالك البيّنة على أنّ الدّابّة أو السّيّارة مثلاً تلفت عند الغاصب من ركوبه، وأقام الغاصب البيّنة على أنّه ردّها إلى المالك فتقبل بيّنة المالك، وعلى الغاصب قيمة المغصوب ؛ لأنّ بيّنة الغاصب لا تدفع بيّنة المغصوب منه ؛ لأنّها قامت على ردّ المغصوب، ومن الجائز أنّه ردّها، ثمّ غصبها ثانياً وركبها، فتلفت في يده‏.‏

ولو أقام المغصوب منه البيّنة أنّه غصب الدّابّة ونفقت عنده‏.‏ وأقام الغاصب البيّنة أنّه ردّها إليه وأنّها نفقت عنده، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ من الجائز أنّ شهود المغصوب منه اعتمدوا في شهادتهم على استصحاب الحال، لما أنّهم علموا بالغصب وما علموا بالرّدّ، فبنوا الأمر على ظاهر بقاء المغصوب في يد الغاصب إلى وقت الهلاك، وشهود الغاصب اعتمدوا في شهادتهم بالرّدّ حقيقة الأمر وهو الرّدّ ؛ لأنّه أمر لم يكن، فكانت الشّهادة القائمة على الرّدّ أولى‏.‏

وعن أبي يوسف أنّ الغاصب ضامن‏.‏

ورأى المالكيّة ما رآه الحنفيّة فقالوا‏:‏ إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في دعوى تلف المغصوب، أو في جنسه، أو صفته، أو قدره، ولم يكن لأحدهما بيّنة القول قول الغاصب مع يمينه إن أشبه في دعواه، سواء أشبه ربّه أم لا، فإن كان قول الغاصب لم يشبه فالقول لربّه بيمينه‏.‏

ضمان المغصوب إذا تصرّف فيه الغاصب أو غصب منه

29 - قد يتصرّف الغاصب في المغصوب بالبيع أو الرّهن أو الإجارة أو الإعارة أو الهبة أو الإيداع، علماً بأنّ هذه التّصرّفات حرام، فيهلك المغصوب في يد المتصرّف إليه، وقد يحدث تكرار الغصب، فيغصب الشّيء غاصب آخر فمن الضّامن للمغصوب حينئذ ‏؟‏

يرى الحنفيّة‏:‏ أنّه إذا تصرّف الغاصب في المغصوب بالبيع ونحوه، فللمالك تضمين الغاصب الأوّل، أو المرتهن، أو المستأجر، أو المستعير، أو المشتري من الغاصب، أو الوديع الّذي أودعه الغاصب الشّيء المغصوب، فهلك في يده، فإن ضمن الغاصب الأوّل، استقرّ الضّمان عليه، ولم يرجع بشيء على أحد، وإن ضمن المرتهن أو المستأجر أو الوديع أو المشتري، رجعوا على الغاصب بالضّمان لأنّهم عملوا له، والمشتري إذا ضمن القيمة يرجع بالثّمن على الغاصب البائع ؛ لأنّ البائع ضامن استحقاق المبيع، وردّ القيمة كردّ العين‏.‏

وأمّا المستعير من الغاصب أو الموهوب له، أو المتصدّق عليه منه، فيستقرّ الضّمان عليه، وإن كان جاهلاً الغصب، لأنّه يعمل في القبض لنفسه‏.‏

وإذا غصب شخص شيئاً من آخر، فجاء غيره وغصبه منه فهلك في يده، فالمالك بالخيار‏:‏ إن شاء ضمّن الغاصب الأوّل ؛ لوجود فعل الغصب منه، وهو إزالة يد المالك عنه، وإن شاء ضمّن الغاصب الثّاني أو المتلف، سواء علم بالغصب أم لم يعلم، لأنّ الغاصب الثّاني أزال يد الغاصب الأوّل الّذي هو بحكم المالك في أنّه يحفظ ماله، ويتمكّن من ردّه عليه ‏"‏ أي على المالك ‏"‏ ولأنّه أثبت يده على مال الغير بغير إذنه، والجهل غير مسقط للضّمان ؛ ولأنّ المتلف أتلف الشّيء المغصوب فضمنه بفعل نفسه‏.‏

فإن اختار المالك تضمين الأوّل، وكان هلاك المغصوب في يد الغاصب الثّاني، رجع الغاصب الأوّل بالضّمان على الثّاني ؛ لأنّه بدفعه قيمة الضّمان ملك الشّيء المضمون ‏"‏ أي المغصوب‏"‏ من وقت غصبه، فكان الثّاني غاصباً لملك الأوّل‏.‏

وإن اختار المالك تضمين الثّاني أو المتلف، لا يرجع هذا بالضّمان على أحد، ويستقرّ الضّمان في ذمّته ؛ لأنّه ضمن فعل نفسه، وهو إزالة يد المالك أو استهلاكه وإتلافه‏.‏ وللمالك أن يأخذ بعض الضّمان من شخص، وبعضه الآخر من الشّخص الآخر، واستثنى الحنفيّة من مبدأ تخيير المالك في هذه الحالة الموقوف المغصوب إذا غصب، وكان الغاصب الثّاني أملأ من الأوّل، فإنّ متولّي الوقف يضمّن الثّاني وحده‏.‏

والرّاجح عند الحنفيّة أنّ المالك متى اختار تضمين الغاصب الأوّل أو الثّاني يبرأ الآخر عن الضّمان بمجرّد الاختيار، فلو أراد تضمينه بعدئذ لم يكن له ذلك، وإذا ردّ الغاصب الثّاني المغصوب على الأوّل برئ من الضّمان، وإذا ردّه إلى المالك برئ الاثنان‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّه يجب على الحاكم إذا رفعت له حادثة الغصب أن يمنع الغاصب من التّصرّف في المال المثليّ ببيع أو غيره حتّى يتوثّق برهن أو حميل ‏(‏أي كفيل‏)‏، وإذا غصب المغصوب شخص آخر ضمن، وكذلك يضمن آكل المغصوب سواء علم بالغصب أو لم يعلم، لأنّه بعلمه بالغصب صار غاصباً حكماً من حيث الضّمان، وبأكله المغصوب يصبح متعدّياً فيضمن، والمشتري من الغاصب ووارثه وموهوب الغاصب كالغاصب إن علموا بالغصب، فعليهم ضمان المثليّ بمثله والقيميّ بقيمته، ويضمنون الغلّة والحادث السّماويّ ‏;‏ لأنّهم غصّاب بعلمهم بالغصب، وللمالك أن يتبع بالضّمان أيّهما شاء‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الأيدي المترتّبة على يد الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها الغصب ؛ لأنّ واضع اليد وضع يده على ملك غيره بغير إذنه، والجهل ليس مسقطاً للضّمان، بل يسقط الإثم فقط، فيطالب المالك من شاء منهما، لكن لا يستقرّ الضّمان على الآخذ من الغاصب إلاّ بعلمه بالغصب، حتّى يصدق عليه معنى الغصب، أو إن جهل به وكانت يد الواضع في أصلها يد ضمان، كالمستعير والمشتري والمقترض والسّائم ؛ لأنّه تعامل مع الغاصب على الضّمان، فلم يَغُرَّه‏.‏

أمّا إن جهل الواضع يده على المغصوب بالغصب، وكانت يده يد أمانة بلا اتّهاب، كوديع وشريك مضارب، فيستقرّ الضّمان على الغاصب دون الآخذ ؛ لأنّه تعامل مع الغاصب على أنّ يده نائبة عن يد الغاصب، وأمّا الموهوب له فقرار الضّمان عليه في الأظهر ؛ لأنّه وإن كانت يده ليست يد ضمان بل يد أمانة، إلاّ أنّ أخذه الشّيء للتّملّك‏.‏

وذكر الحنابلة أنّ تصرّفات الغاصب في الشّيء المغصوب حرام وغير صحيحة، لحديث‏:‏ «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ» أي مردود، وتكون الأرباح للمالك وللمالك تضمين أيّ الشّخصين شاء‏:‏ الغاصب أو المتصرّف له ؛ لأنّ الغاصب حال بين المالك وبين ملكه وأثبت اليد العادية ‏"‏ الضّامنة ‏"‏ عليه، وأمّا المتصرّف له فلأنّه أثبت يده على ملك معصوم بغير حقّ‏.‏

ويستقرّ الضّمان على الغاصب إذا كان المتصرّف له غير عالم بالغصب، فإن علم المتصرّف له بالغصب استقرّ الضّمان عليه، ولم يرجع على الغاصب بشيء، وكذلك يستقرّ الضّمان على المستعير ؛ لأنّ يده يد ضمان عندهم، وإذا ردّ المتصرّف له الشّيء إلى الغاصب برئ من الضّمان‏.‏

وأمّا غاصب الغاصب فيستقرّ الضّمان عليه، وللمالك تضمينه كالغاصب الأوّل، ومن غصب طعاماً فأطعمه غيره، فللمالك تضمين أيّهما شاء ؛ لأنّ الغاصب حال بينه وبين ماله، والآكل أتلف مال غيره بغير إذنه، وقبضه عن يد ضامنه بغير إذن مالكه، فإن كان الآكل عالماً بالغصب، استقرّ الضّمان عليه، لكونه أتلف مال غيره بغير إذن عالماً من غير تغرير، وإذا ضمن الغاصب رجع عليه، وإن ضمن الآكل لم يرجع على أحد، وإن لم يعلم الآكل بالغصب، استقرّ الضّمان على الآكل في رواية ؛ لأنّه ضمن ما أتلف، فلم يرجع به على أحد، وفي رواية أخرى وهي ظاهر كلام الخرقيّ‏:‏ يستقرّ الضّمان على الغاصب ؛ لأنّه غرّ الآكل وأطعمه على أنّه لا يضمنه‏.‏

تملّك الغاصب المغصوب بالضّمان

30 - للفقهاء اتّجاهان في تملّك الغاصب الشّيء المغصوب بالضّمان‏.‏

فقال الحنفيّة‏:‏ يملك الغاصب الشّيء المغصوب بعد ضمانه من وقت حدوث الغصب، حتّى لا يجتمع البدل والمبدل في ملك شخص واحد، وهو المالك، وينتج عن التّملّك أنّ الغاصب لو تصرّف في المغصوب بالبيع أو الهبة أو الصّدقة قبل أداء الضّمان ينفذ تصرّفه، كما تنفذ تصرّفات المشتري في المشترى شراءً فاسداً، وكما لو غصب شخص عيناً فعيّبها، فضمّنه المالك قيمتها، ملكها الغاصب ؛ لأنّ المالك ملك البدل كلّه، والمبدل قابل للنّقل، فيملكه الغاصب ؛ لئلاّ يجتمع البدلان في ملك شخص واحد، لكن لا يحلّ في رأي أبي حنيفة ومحمّد للغاصب الانتفاع بالمغصوب، بأن يأكله بنفسه أو يطعمه غيره قبل أداء الضّمان، وإذا حصل فيه فضل يتصدّق بالفضل استحساناً، وغلّة المغصوب المستفادة من إركاب سيّارة مثلاً لا تطيب له، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبح الانتفاع بالمغصوب قبل إرضاء المالك، لما في حديث رجل من الأنصار‏:‏ «أنّ امرأةً دعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجيء بالطّعام فوضع يده، ثمّ وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يلوك لقمةً في فمه، ثمّ قال‏:‏ أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فأرسلت المرأة قالت‏:‏ يا رسول اللّه، إنّي أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاةً، فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاةً أن أرسل إليّ بها بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليّ بها، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أطعميه الأسارى»‏.‏

فقد حرّم عليهم الانتفاع بها، مع حاجتهم إليها ؛ ولو كانت حلالاً لأطلق لهم إباحة الانتفاع بها‏.‏

وقال أبو يوسف وزفر‏:‏ يحلّ للغاصب الانتفاع بالمغصوب بالضّمان، ولا يلزمه التّصدّق بالفضل إن كان فيه فضل ؛ لأنّ المغصوب مملوك للغاصب من وقت الغصب، عملاً بالقاعدة‏:‏ ‏"‏ المضمونات تملك بأداء الضّمان مستنداً إلى وقت الغصب ‏"‏ فتطيب بناءً عليه غلّة المغصوب للغاصب‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يملك الغاصب المغصوب إن اشتراه من مالكه أو ورثه عنه، أو غرم له قيمته بسبب التّلف أو الضّياع أو النّقص أو نقص في ذاته، لكن يمنع الغاصب من التّصرّف في المغصوب برهن أو كفالة خشية ضياع حقّ المالك، ولا يجوز لمن وهب له منه شيء قبوله ولا الأكل منه ولا السّكنى فيه، مثل أيّ شيء حرام‏.‏

أمّا إن تلف المغصوب عند الغاصب أو استهلكه ‏"‏ فات عنده ‏"‏ فالأرجح عندهم أنّه يجوز للغاصب الانتفاع به، لأنّه وجبت عليه قيمته في ذمّته‏.‏ فقد أفتى بعض المحقّقين بجواز الشّراء من لحم الأغنام المغصوبة إذا باعها الغاصب للجزّارين، فذبحوها ؛ لأنّه بذبحها ترتّبت القيمة في ذمّة الغاصب، إلاّ أنّهم قالوا‏:‏ ومن اتّقاه فقد استبرأ لدينه وعرضه، والمعنى أنّ الغاصب يتملّك بالضّمان الشّيء المغصوب من يوم التّلف‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن ذهب المغصوب من يد الغاصب وتعذّر ردّه كان للمغصوب منه المطالبة بالقيمة لأنّه حيل بينه وبين ماله، فوجب له البدل كما لو تلف المال، وإذا قبض المغصوب منه البدل ملكه لأنّه بدل ماله فملكه كبدل التّالف، ولا يملك الغاصب المغصوب لأنّه لا يصحّ تملّكه بالبيع، فلا يملك بالتّضمين كالتّالف‏.‏ فإن رجع المغصوب وجب على الغاصب ردّه على المالك، فإذا ردّه وجب على المغصوب منه ردّ البدل ؛ لأنّه ملكه بالحيلولة بينه وبين ماله المغصوب، وقد زالت الحيلولة فوجب الرّدّ‏.‏

وذهب الحنابلة‏:‏ إلى أنّه لا يملك الغاصب العين المغصوبة بدفع القيمة ؛ لأنّه لا يصحّ أن يتملّكه بالبيع لغيره ؛ لعدم القدرة على التّسليم، فلا يصحّ أن يتملّكه بالتّضمين، كالشّيء التّالف لا يملكه بالإتلاف ؛ ولأنّه غرم ما تعذّر عليه ردّه بخروجه عن يده، فلا يملكه بذلك، وليس هذا جمعاً بين البدل والمبدل ؛ لأنّ المالك ملك القيمة لأجل الحيلولة بينه وبين ملكه، لا على سبيل العوض، ولهذا إذا ردّ المغصوب إليه، ردّ القيمة عليه‏.‏

نفقة المغصوب

31 - قال المالكيّة‏:‏ ما أنفق الغاصب على المغصوب، كعلف الدّابّة، وسقي الأرض وعلاجها وخدمة شجر ونحو ذلك ممّا لا بدّ للمغصوب منه، يكون في نظير الغلّة الّتي استغلّها الغاصب من يد المغصوب ؛ لأنّه وإن ظلم لا يظلم‏.‏ فإن تساوت النّفقة مع الغلّة فواضح، وإن زادت النّفقة على الغلّة، فلا رجوع للغاصب بالزّائد، كما أنّه إذا كان لا غلّة للمغصوب، فلا رجوع له بالنّفقة لظلمه، وإن زادت الغلّة على النّفقة فللمالك الرّجوع على الغاصب بزائدها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن زرع الغاصب الأرض المغصوبة وأدركها ربّها والزّرع قائم فليس له إجبار الغاصب على قلعه، ويخيّر مالك الأرض بين ترك الزّرع إلى الحصاد بأجرة مثله وبين أخذ الزّرع بنفقته، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من زرع في أرض قوم من غير إذنهم فليس له من الزّرع شيء، وله نفقته»‏.‏

غصّة

التّعريف

1 - الغصّة - بالضّمّ - لغةً‏:‏ ما اعترض في الحلق فأشرق، يقال‏:‏ غصصت بالماء أغصّ غصصاً‏:‏ إذا شرقت به، أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإساغة‏:‏

2 - الإساغة في اللّغة‏:‏ مصدر أساغ، والثّلاثيّ منه ساغ، يقال‏:‏ ساغ الشّراب في الحلق‏:‏ سهل مدخله منه، ويقال‏:‏ أسغ لي غصّتي أي‏:‏ أمهلني ولا تعجلني‏.‏

وعلى ذلك تكون الإساغة عكس الغصّة فالإساغة سهولة نزول الطّعام في الحلق، بينما الغصّة وقوفها فيه‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - إزالة الغصّة أمر واجب لإنقاذ النّفس من الهلاك، وتزال بكلّ ما يمكن إزالتها به من ماء طاهر أو نجس - ولو كان بولاً أو خمراً إن لم يجد ما يزيلها به غير الخمر - يقول الفقهاء‏:‏ لمضطرّ خاف التّلف على نفسه لدفع لقمة غصّ بها، وليس عنده ما يسيغها به غير الخمر تناوله ما يلزم لإزالة الغصّة دون تجاوز، لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ ولأنّ حفظ النّفس مطلوب بدليل إباحة الميتة عند الاضطرار، وهو موجود هنا‏.‏

وإساغة الغصّة بالخمر عند عدم غيرها من قبيل الرّخصة الواجبة عند الشّافعيّة‏.‏

ولا حدّ على من شرب المسكر في هذه الحالة، وهذا باتّفاق الفقهاء‏.‏

كما أنّ الإثم يرتفع أيضاً عند جمهور الفقهاء، خلافاً لابن عرفة الّذي يرى أنّ ضرورة الغصّة تدرأ الحدّ، ولا تمنع الحرمة‏.‏

غَضَب

التّعريف

1 - الغضب مصدر‏:‏ غضب، يقال‏:‏ غضب عليه يغضب غضباً وغضبةً، ومغضبةً، وغضب له‏:‏ أي غضب على غيره من أجله، هذا إذا كان حيّاً، فإن كان ميّتاً يقال‏:‏ غضب به‏.‏ وهو في اللّغة‏:‏ نقيض الرّضا، وقال أبو البقاء‏:‏ الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه، وقال الجرجانيّ‏:‏ الغضب تغيّر يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التّشفّي للصّدر‏.‏ والمعنى الاصطلاحيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة به‏:‏

الفرك‏:‏

2 - الفرك مصدر فرك بالكسر‏:‏ يقال فركت المرأة زوجها تفركه فركاً أي‏:‏ أبغضته وكذلك فركها زوجها، ويقال رجل مفرّك للّذي تبغضه النّساء‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والصّلة أنّ الفرك قد يكون سبباً للغضب‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالغضب

3 - الغضب بحسب الأسباب المحرّكة له قد يكون محموداً أو مذموماً‏.‏

فالغضب المحمود ما كان في جانب الحقّ والدّين، والذّبّ عن الحُرَم، والغضب في هذه المواقف محمود، وضعفه من ثمراته عدم الغيرة على الحُرَم، والرّضا بالذّلّ، وترك المنكرات تنتشر وتنمو، جاء في الحديث‏:‏ «ما انتقم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قطّ، إلاّ أن تنتهك حرمة اللّه فينتقم بها للّه»‏.‏

وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «أتعجبون من غيرة سعد ‏؟‏ لأنا أغير منه واللّه أغير منّي»‏.‏

والمذموم ما كان في سبيل الباطل، ويهيّجه الكبر، والاستعلاء، والأنفة، وهذا الغضب مذموم شرعاً، قال تعالى في وصف الّذين يتمادون في الباطل، ويغضبون له‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ‏}‏‏.‏ وقال في ذمّ الكفّار بما تظاهروا من الحميّة الصّادرة بالباطل‏:‏ ‏{‏إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ‏}‏ وهذا مذموم‏.‏

أمّا إذا كان لنفسه كأن يجهل عليه أحد أو يسيء إليه، فالأفضل له كظم الغيظ، والعفو عمّن ظلمه أو أساء إليه‏.‏ قال تعالى في معرض المدح‏:‏ ‏{‏وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏}‏‏.‏

آثار الغضب في تصرّفات الغضبان

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الغضبان مكلّف في حال غضبه، ويؤاخذ بما يصدر عنه من كفر، وقتل نفس، وأخذ مال بغير حقّ، وطلاق، وغير ذلك من عتاق ويمين، قال ابن رجب في شرح الأربعين النّوويّة‏:‏ ما يقع من الغضبان من طلاق، وعتاق، ويمين، فإنّه يؤاخذ به‏.‏

واستدلّوا لذلك بأدلّة منها‏:‏ حديث «خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصّامت، وفيه‏:‏ غضب زوجها فظاهر منها، فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك وقالت‏:‏ لم يرد الطّلاق، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أعلم إلاّ قد حرمت عليه»‏.‏ فجعل اللّه الطّلاق ظهاراً ولكن إن غضب حتّى أغمي أو أغشي عليه، لم يقع طلاقه لزوال عقله، فأشبه المجنون في هذه الحالة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏طلاق ف /22‏)‏‏.‏

غَفْلة

التّعريف

1 - الغفلة في اللّغة غيبة الشّيء عن بال الإنسان وعدم تذكّره له، ورجل مغفّل على لفظ اسم المفعول من التّغفيل، وهو الّذي لا فطنة له‏.‏

والغفلة في اصطلاح الفقهاء ضدّ الفطانة، وذو الغفلة ‏(‏المغفّل‏)‏ هو من اختلّ ضبطه وحفظه، ولا يهتدي إلى التّصرّفات الرّابحة، فيغبن في البياعات لسلامة قلبه، وعدم استعماله القوّة المنبّهة مع وجودها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - السَّفَه‏:‏

2 - السّفه‏:‏ خفّة تبعث الإنسان على العمل في ماله بخلاف مقتضى العقل، مع عدم اختلاله، فالسّفيه يصرف ماله في غير موضعه، ويبذّر في مصارفه، ويضيّع أمواله ويتلفها بالإسراف‏.‏

والصّلة أنّ تصرّفات كلّ من ذي الغفلة والسّفيه قد تكون مضيّعةً للمال‏.‏

ب - العته‏:‏

3 - العته‏:‏ نقص العقل من غير جنون أو دهش‏.‏

ويختلف العته عن الغفلة‏:‏ بأنّ العته يكون خللاً في العقل بخلاف الغفلة فإنّها تكون بالنّسيان أو عدم الاهتداء إلى التّصرّفات الرّابحة‏.‏

الحكم الإجماليّ

تعرّض الفقهاء لأحكام الغفلة في موضعين‏:‏

أوّلاً - الحجر بسبب الغفلة

4 - اختلف الفقهاء في الحجر على ذي الغفلة على أقوال‏:‏ فمنهم من ذهب إلى الحجر عليه لغفلته، ومنهم من ذهب إلى عدم الحجر عليه مطلقاً، ومنهم من ذهب إلى عدم الحجر عليه ما لم يصل في غفلته إلى حدّ السّفه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏حَجْر ف /15‏)‏

ثانياً - شهادة المغفّل

5 - اتّفق الفقهاء في الجملة على أنّه يشترط في قبول الشّهادة‏:‏ الحفظ والضّبط‏.‏ فالمغفّل أي من لا يستعمل القوّة المنبّهة مع وجودها لا تقبل شهادته، كما لا تقبل شهادة من كان معروفاً بكثرة الغلط والنّسيان ؛ لأنّ الثّقة لا تحصل بقوله ؛ لاحتمال أن تكون شهادته ممّا غلط فيه‏.‏

واستثنى المالكيّة من هذا الحكم ما لا يختلط فيه من البديهيّات، كرأيت هذا يقطع يد هذا، أو يأخذ مال هذا‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شهادة ف /23‏)‏‏.‏

غَلاء

التّعريف

1 - الغلاء نقيض الرّخص، مشتقّ من الغلوّ الّذي هو مجاوزة الحدّ‏.‏

وهو في اللّغة‏:‏ الارتفاع ومجاوزة القدر في كلّ شيء‏.‏

يقال‏:‏ غلا السّعر يغلو غلاءً زاد وارتفع، وغالى بالشّيء‏:‏ اشتراه بثمن غال، وأغلاه‏:‏ جعله غالياً، ومنه قول عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ ألا لا تغلوا صدق النّساء ‏"‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالغلاء

أ - حبس الطّعام لإغلائه‏:‏

2 - ذهب الفقهاء إلى أنّ اشتراء الطّعام ونحوه ممّا تعمّ الحاجة إليه، ثمّ حبسه عن النّاس مع شدّة الحاجة إليه لبيعه في زمن الغلاء محظور، وإن اختلفوا في درجة الحظر، من تحريم أو كراهة‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّه يسنّ لمن عنده طعام زائد عن حاجته أن يبيعه للنّاس، في زمن الغلاء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏احتكار ف /3 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - مراعاة الغلاء عند تقدير عطاء الجند‏:‏

3 - يراعي الإمام الغلاء عند تقدير عطاءات الجنود المرصدين للجهاد، فيعطيهم كفايتهم مع مراعاة الغلاء والرّخص، ويزيد لهم كلّما حدث غلاء وارتفعت الأسعار‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏فيء‏)‏‏.‏

ج - أثر الغلاء في نفقة الزّوجة‏:‏

4 - إذا فرض للزّوجة نفقةً، ثمّ حدث غلاء كان لها أن تطلب زيادة النّفقة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

غَلَبة

التّعريف

1 - الغلبة في اللّغة‏:‏ القهر والاستيلاء، يقال‏:‏ غلبه غلباً من باب ضرب‏:‏ قهره، وغلب فلاناً على الشّيء‏:‏ أخذه منه كرهاً، فهو غالب وغلّاب، وغالبته مغالبةً وغلاباً أي‏:‏ حاول كلّ منّا مغالبة الآخر، وتغالبوا على البلد أي‏:‏ غالب بعضهم بعضاً عليه، والأغلبيّة‏:‏ الكثرة، يقال‏:‏ غلب على فلان الكرم أي كان أكثر خصاله‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

السّلطة‏:‏

2 - السّلطة في اللّغة‏:‏ السّيطرة والتّحكّم والتّمكّن، يقال‏:‏ سلّطه عليه مكّنه منه وحكّمه فيه، وسلّطه‏:‏ أطلق له السّلطان والقدرة‏.‏

والسّلطة أعمّ من الغلبة‏.‏

الحكم الإجماليّ

الغلبة على الحكم

3 - أجمع الفقهاء على أنّه لا يجوز الخروج على من اتّفق المسلمون على إمامته وبايعوه‏.‏ واختلفوا في صحّة إمامة رجل مسلم خرج على الإمام الّذي ثبتت إمامته بالبيعة، فقهره وغلب بسيفه‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا غلب على النّاس رجل وقهرهم بسيفه، حتّى أقرّوا له، وأذعنوا بطاعته وتابعوه، صار إماماً يحرم قتاله والخروج عليه، إذ المدار على درء المفاسد وارتكاب أخفّ الضّررين، وصوناً لإراقة دماء المسلمين وذهاب أموالهم، قال الشّافعيّة‏:‏ بشرط أن تكون غلبته بعد موت الإمام الّذي ثبتت إمامته ببيعة أهل الاختيار، أو أن يتغلّب على متغلّب مثله، أمّا إذا تغلّب على إمام حيّ ثبتت بيعته عن طريق أهل الاختيار فلا تنعقد إمامته‏.‏ زاد الشّافعيّة في قول عندهم أيضاً‏:‏ ويشترط أن يكون التّغلّب جامعاً للشّروط المعتبرة في الإمامة، وإلاّ فلا تصحّ إمامته‏.‏

وذهب بعض الفقهاء إلى أنّ إمامة ذلك المتغلّب لا تصحّ ولا تنعقد ؛ لأنّ الحقّ في الإمامة للمسلمين ولا تنعقد بدون رضاهم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏الإمامة الكبرى‏)‏‏.‏

غلبة الظّنّ

4 - بحث الفقهاء أحكام غلبة الظّنّ في باب الطّهارة في تمييز الطّاهر من الأواني والملابس والمياه والأماكن إذا اختلط بنجس مشابه له، وتمييز أيّام الحيض من أيّام الطّهر بالنّسبة لمن نسيت عدد أيّام حيضها واشتبه عليها الأمر بسبب الاستحاضة، وفي معرفة جهة القبلة لمن اشتبهت عليه إذا اجتهد وغلب على ظنّه أنّ القبلة في جهة، وفي دخول وقت الصّلاة لمن اشتبه عليه ولم يهتد إليه لكونه محبوساً أو لوجود غيم ونحوه، وفي من شكّ في الصّلاة كم ركعة صلّاها، وفي تمييز الفقير وغيره من أصناف الزّكاة عن غيره، وفي معرفة دخول شهر رمضان وطلوع الفجر، وغروب الشّمس للصّائم إذا اشتبه عليه ذلك بحبس ونحوه، وفي الحجّ إذا شكّ الحاجّ هل أحرم بالإفراد أو بالتّمتّع أو بالقران، وفي من التبست عليه المذكّاة بالميتة أو وجد شاةً مذبوحةً ببلد فيه من تحلّ ذبيحته من المسلمين وأهل الكتاب ومن لا تحلّ ذبيحته، ووقع الشّكّ في ذابحها، وفي الدّماء دماء اللّوث في باب القسامة‏.‏

وتفصيل كلّ هذه المسائل في مصطلحات‏:‏ ‏(‏تحرّي ف /7 - 17، واستقبال ف /27 - 37، واشتباه ف /13، 19، 20، 21، ولوث‏)‏‏.‏

غلبة الظّنّ

انظر‏:‏ ظنّ، غلبة‏.‏

غَلَس

التّعريف

1 - الغلس في اللّغة‏:‏ ظلام آخر اللّيل، أو إذا اختلط بضوء الصّباح، أو أوّل الصّبح حين ينتشر في الآفاق، وفي حديث الإفاضة‏:‏ «كنّا نغلس من جمع إلى منىً»، أي نسير إليها ذلك الوقت‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإسفار‏:‏

2 - من معاني الإسفار في اللّغة‏:‏ الكشف والإضاءة، يقال‏:‏ سفر الصّبح، وأسفر‏:‏ أي أضاء، وسفرت المرأة‏:‏ كشفت عن وجهها‏.‏

واستعمله الفقهاء في ظهور الضّوء، يقال‏:‏ أسفر بالصّبح‏:‏ إذا صلّاها وقت الإسفار أي عند ظهور الضّوء‏.‏ وعلى ذلك فالإسفار مقابل الغلس والتّغليس‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الأفضل تعجيل صلاة الصّبح في أوّل وقتها، أي في الغلس، قال النّوويّ‏:‏ وهذا مذهب عمر وعثمان وابن الزّبير وأبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم‏.‏

واستدلّوا على أفضليّة التّغليس بالفجر بما روته عائشة رضي الله عنها‏:‏» إن كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليصلّي الصّبح فينصرف النّساء متلفّعات بمروطهنّ، ما يعرفن من الغلس» وبحديث أبي مسعود البدريّ رضي الله عنه‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلّى الصّبح مرّةً بغلس، ثمّ صلّى مرّةً أخرى فأسفر بها، ثمّ كانت صلاته بعد ذلك التّغليس حتّى مات، ولم يعد إلى أن يسفر»‏.‏

أمّا الحنفيّة فقد ذهبوا إلى أنّه يستحبّ الإسفار بصلاة الفجر، وتأخيرها إلى أن ينتشر الضّوء، ويتمكّن كلّ من يريد الصّلاة بجماعة في المسجد من أن يسير في الطّريق بدون أن يلحقه ضرر، من نزول قدمه أو وقوعه في حفرة بسبب السّير في الظّلام‏.‏

واحتجّ الحنفيّة على استحباب الإسفار بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أسفروا بالفجر، فإنّه أعظم للأجر»‏.‏

وقالوا في تحديد الإسفار‏:‏ أن يكون بحيث لو ظهر فسادها أعادها بقراءة مسنونة، قبل طلوع الشّمس، أي بعد ما يتمكّن من الوضوء أو الغسل عند اللّزوم‏.‏

واستدلّ الحنفيّة لفضيلة الإسفار بالمعقول كذلك، حيث قالوا‏:‏ إنّ في الإسفار تكثير الجماعة، وفي التّغليس تقليلها، وما يؤدّي إلى التّكثير أفضل‏.‏

والإسفار عند الحنفيّة مستحبّ سفراً وحضراً، شتاءً وصيفاً، منفرداً أو مؤتمّاً أو إماماً للرّجال، إلاّ في مزدلفة للحاجّ، فإنّ التّغليس لهم أفضل للتّفرّغ لواجب الوقوف، كما أنّ التّغليس أفضل للنّساء ؛ لأنّ حالهنّ على التّستّر، وهو في التّغليس أكثر وأتمّ‏.‏

ونقل عن أبي جعفر الطّحاويّ أنّه يبدأ بالتّغليس ويختم بالإسفار، جمعاً بين أحاديث التّغليس والإسفار‏.‏

ونقل ابن عابدين عن الخانيّة استحباب التّغليس بفجر يوم عرفة، والأكثرون على إسفاره‏.‏

غَلْصَمة

انظر‏:‏ ذبائح‏.‏

غَلَط

انظر‏:‏ خطأ‏.‏

غَلْق

انظر‏:‏ إغلاق‏.‏

غَلَّة

التّعريف

1 - الغَلَّة في اللّغة‏:‏ الدّخل من كراء دار وأجر حيوان وفائدة أرض، والدّخل الّذي يحصل من الزّرع والثّمر واللّبن والإجارة والنّتاج ونحو ذلك، والجمع‏:‏ غلّات، وغلال‏.‏

وأغلت الضّيعة‏:‏ أعطت الغلّة فهي مغلّة‏:‏ إذا أتت بشيء وأصلها باق، وفلان يغلّ على عياله، أي يأتيهم بالغلّة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عند الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّبح‏:‏

2 - الرّبح والرّبح لغةً‏:‏ النّماء في التّجارة ويسند الفعل إلى التّجارة مجازاً، فيقال‏:‏ ربحت تجارته فهي رابحة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والعلاقة بين الرّبح والغلّة أنّ الغلّة أعمّ‏.‏

ب - النّماء‏:‏

3 - النّماء‏:‏ الزّيادة، وهو نوعان‏:‏ حقيقيّ وتقديريّ‏.‏

فالحقيقيّ‏:‏ الزّيادة والتّوالد والتّناسل والتّجارات‏.‏

والتّقديريّ‏:‏ تمكّنه من الزّيادة بكون المال في يده أو يد نائبه‏.‏

والعلاقة بين النّماء والغلّة أنّ النّماء من أسباب الغلّة‏.‏

ما يتعلّق بالغلّة من أحكام

أوّلاً - غلّة الموصى به

4 - الوصيّة تنفذ بعد موت الموصي لأنّ الوصيّة‏:‏ تمليك لما بعد الموت، وينتقل ملك الموصى به إلى الموصى له إذا تمّ قبول الموصى له بعد موت الموصي مباشرةً‏.‏

فإن تأخّر قبول الموصى له للوصيّة بعد موت الموصي، فقد اختلف الفقهاء فيما يحدث من غلّة الموصى به بعد موت الموصي إلى وقت القبول،هل تكون للموصى له أم تكون للورثة‏؟‏ فعند الحنفيّة، وهو الأظهر عند الشّافعيّة، وأحد الأقوال عند المالكيّة والحنابلة تكون الغلّة الحادثة بعد موت الموصي وقبل القبول للموصى له، لأنّ الموصى له يملك الموصى به بالموت، ويثبت الملك بالقبول‏.‏

والصّحيح عند الحنابلة، وهو أحد الأقوال عند المالكيّة والشّافعيّة أنّ الغلّة الحادثة تكون للورثة ؛ لأنّ الملك في الوصيّة لا يثبت للموصى له إلاّ بقبوله بعد الموت، فتكون الغلّة للورثة لأنّها نماء ملكهم‏.‏

والمشهور عند المالكيّة أنّه يكون للموصى له ثلث الغلّة فقط، بناءً على أنّ المعتبر في تنفيذ الوصيّة الأمران معاً ‏(‏وقت الموت ووقت القبول‏)‏‏.‏

ثانياً - غلّة المشفوع فيه

5 - اختلف الفقهاء في غلّة المشفوع فيه الّتي تحدث عند المشتري قبل الأخذ منه بالشّفعة، هل تكون للشّفيع، أو تكون للمشتري ‏؟‏

فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ غلّة الشّقص المشفوع فيه الّتي تحدث عند المشتري قبل أخذه منه بالشّفعة، تكون له ؛ لأنّ هذه الغلّة حدثت في ملكه ؛ ولأنّه كان ضامناً للمشفوع فيه، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الخراج بالضّمان»‏.‏

وإن زرع المشتري في الأرض فللشّفيع الأخذ بالشّفعة ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ولا أجرة عليه ؛ لأنّه زرعه في ملكه ؛ ولأنّ الشّفيع اشترى الأرض وفيها زرع للبائع، فكان له مبقًّى إلى الحصاد بلا أجرة كغير المشفوع، وإن كان في الشّجر ثمر ظاهر أثمر في ملك المشتري فهو له مبقًى إلى الجذاذ كالزّرع‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ المشفوع فيه لو كان نخلاً ولم يكن عليه ثمر وقت البيع ثمّ أثمر عند المشتري فللشّفيع أخذه بالثّمرة ؛ لأنّ البيع سرى إليها فكانت تبعاً، فإذا جذّها المشتري فللشّفيع أن يأخذ النّخل بجميع الثّمن، لأنّ الثّمرة لم تكن موجودةً وقت العقد فلم تكن مقصودةً، فلا يقابلها شيء من الثّمن‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن اشترى شقصاً وحدث فيه زيادة قبل أن يأخذ الشّفيع، فإن كانت زيادةً لا تتميّز - كالفصيل إذا طال وامتلأ - فإنّ الشّفيع يأخذه مع زيادته ؛ لأنّ ما لا يتميّز يتبع الأصل في الملك، وإن كانت متميّزةً - كالثّمرة - فإن كانت ثمرة ظاهرة لم يكن للشّفيع فيها حقّ لأنّها لا تتبع الأصل، وإن كانت غير ظاهرة ففي الجديد لا تتبع لأنّه استحقاق بغير تراض، فلا يؤخذ به إلاّ ما دخل بالعقد‏.‏

ثالثاً - غلّة المرهون

6 - ذهب الفقهاء إلى أنّ غلّة المرهون ملك للرّاهن لأنّها نماء ملكه‏.‏

واختلفوا في غلّة المرهون الّتي تحدث عند المرتهن، هل تدخل في الرّهن أم لا ‏؟‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الغلّة ‏"‏ الزّوائد المنفصلة ‏"‏ الّتي تحدث عند المرتهن لا تدخل في الرّهن ؛ لأنّ الرّهن عقد لا يزيل الملك عن الرّقبة فلا يسري إلى الغلّة‏.‏

لكنّ المالكيّة قالوا‏:‏ لو اشترط المرتهن دخولها في الرّهن دخلت فيه، وإن رهن النّخل اندرج في رهنها فرخ النّخل مع الأصل‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو شرط المرتهن أن تكون زوائد المرهون من صوف وثمرة وولد مرهونةً مثل الأصل، فالأظهر فساد الشّرط لأنّها معدومة ومجهولة، ومقابل الأظهر لا يفسد الشّرط ‏;‏ لأنّ الرّهن عند الإطلاق إنّما لم يتعدّ للزّوائد لضعفه، فإذا قوي بالشّرط سرى‏.‏

وفصّل الحنفيّة بين ما يتولّد من الأصل وما لم يتولّد منه، فقالوا‏:‏ إنّ ما تولّد من الأصل كالولد واللّبن والثّمرة يصير رهناً مع الأصل ؛ لأنّ الرّهن حقّ لازم فيسري إلى التّبع، أمّا ما لم يتولّد من الأصل كغلّة العقار وكسب الرّهن فلا يندرج في الرّهن ؛ لأنّه غير متولّد منه‏.‏ وعند الحنابلة يكون نماء الرّهن جميعه وغلّاته رهناً في يد من الرّهن في يده كالأصل، لأنّه حكم يثبت في العين لعقد المالك، فيدخل فيه النّماء والمنافع‏.‏

غُلْمَة

التّعريف

1 - الغلمة في اللّغة - وزان غرفة - شدّة الشّهوة للجماع، وغلم غلماً فهو غلم - من باب تعب - إذا اشتدّ شبقه وشهوته للجماع، وأغلمه الشّيء‏:‏ أي هيّج غلمته، ويقال‏:‏ اغتلم الغلام‏:‏ إذا بلغ حدّ الغلومة من عمره، قال الرّاغب الأصفهانيّ‏:‏ ولمّا كان من بلغ هذا الحدّ كثيراً ما يغلب عليه الشّبق قيل للشّبق‏:‏ غلمة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الشّهوة‏:‏

2 - أصل الشّهوة نزوع النّفس واشتياقها إلى الشّيء الّذي تريده، وهي حركة للنّفس طلباً للملائم، ويقال‏:‏ رجل شهوان وشهواني‏:‏ أي شديد الرّغبة في الملذّات، وهو نسبة إلى الشّهوة، وامرأة شهوى‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ لا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والصّلة أنّ الغلمة نوع من الشّهوة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالغلمة

3 - قال الشّافعيّة في الأصحّ عندهم‏:‏ يجوز للمكفّر المفطر في رمضان بالجماع العدول عن الصّوم إلى الإطعام لشدّة الغلمة، أي حاجته الشّديدة للوطء ؛ لئلاّ يقع فيه أثناء الصّوم فيحتاج إلى استئنافه مرّةً ثانيةً، وهو حرج شديد‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ حرارة الصّوم وشدّة الغلمة قد يفضيان به إلى الوقاع، ولو في يوم واحد من الشّهرين، وذلك يبطل التّتابع، ولأنّه ورد أنّه صلى الله عليه وسلم «لمّا أمر المكفّر بالصّوم قال له الرّجل‏:‏ وهل أصبت الّذي أصبت إلاّ من الصّيام، فأمره بالإطعام»، قالوا‏:‏ وإنّما لم يجز له ترك رمضان لسبب الغلمة لأنّ رمضان لا بديل عنه، ولأنّه يمكنه الوطء فيه ليلاً، بخلافه في كفّارة الظّهار مثلاً لاستمرار حرمته إلى الفراغ من صيام الشّهرين‏.‏

ومقابل الأصحّ‏:‏ ليس له ذلك ؛ لأنّه قادر على الصّوم، فلم يجز له العدول عنه كصوم رمضان‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يجوز لصاحب الغلمة ومن به شبق أن يجامع في نهار رمضان إذا خاف تشقّق ذكره من الغلمة، أو تشقّق أنثييه أو مثانته للضّرورة، ولا تجب عليه كفّارة، بل يقضي يوماً مكان اليوم الّذي أفطر فيه‏.‏

قالوا‏:‏ وإن اندفعت شهوته بغير الجماع كالاستمناء بيده، أو يد زوجته وكالمفاخذة أو المضاجعة لم يجز له الوطء، فهو كالصّائل يندفع بالأسهل فالأسهل‏.‏

ويجوز له إفساد صوم زوجته المسلمة البالغة للضّرورة كأكل الميتة للمضطرّ، لكن إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته فلا يباح له ذلك لانتفاء الضّرورة‏.‏

وإن اضطرّ إلى وطء حائض وصائمة بالغة - بأن لم يكن له غيرها - فوطء الصّائمة أولى من وطء الحائض ؛ لأنّ تحريم وطء الحائض ثبت بنصّ القرآن، أمّا إذا لم تكن الصّائمة بالغةً فيجب اجتناب الحائض للاستغناء عنها بوطء الصّغيرة، وكذا المجنونة‏.‏

وإن تعذّر على صاحب الغلمة قضاء ما فاته لدوام شبقه، فحكمه كحكم الكبير الّذي عجز عن الصّوم، فيطعم عن كلّ يوم مسكيناً‏.‏

وتجري أحكام صاحب الغلمة أو الشّبق عند الحنابلة - في جواز الوطء وإفساد صوم زوجته المسلمة البالغة إذا لم يكن عنده غيرها - على من به مرض ينتفع بالجماع‏.‏

وكما يجوز لصاحب الشّبق أن يفطر بالجماع في رمضان عند الحنابلة يجوز له عندهم أن ينتقل إلى الإطعام بدل الصّيام في الكفّارات المرتّبة ككفّارة الظّهار مثلاً، فمذهبهم في ذلك كمذهب الشّافعيّة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏كفّارة‏)‏‏.‏

غُلُول

التّعريف

1 - من معاني الغلول في اللّغة‏:‏ الخيانة، يقال‏:‏ غلّ من المغنم غلولاً أي خان، وأغلّ مثله‏.‏

والغلول في الاصطلاح‏:‏ أخذ شيء من الغنيمة قبل القسمة ولو قلّ، أو الخيانة من الغنيمة قبل حوزها، أو الخيانة من المغنم، لأنّ صاحبه يغلّه أي يخفيه في متاعه، أو هو السّرقة من المغنم‏.‏

وعرّف ابن قدامة الغالّ بأنّه‏:‏ الّذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة، فلا يطّلع الإمام عليه ولا يضعه مع الغنيمة‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ وأصل الغلول الخيانة مطلقاً وغلب استعماله خاصّةً في الخيانة في الغنيمة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ الغلول حرام لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، ولقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يَحِلّ لامرئ يؤمنُ باللّهِ واليومِ الآخرِ أن يسقي ماءَه زرعَ غيره، ولا أن يبتاعَ مَغْنَماً حتّى يُقْسَم، ولا أن يلبسَ ثوباً من فيء المسلمين حتّى إذا أَخْلَقَه ردّه فيه، ولا يركب دابّةً من فيء المسلمين حتّى إذا أَعْجَفَها ردّه فيه»‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ أجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول، وأنّه من الكبائر، وأجمعوا على أنّ عليه ردّ ما غلّه‏.‏

عقوبة الغالّ

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الغالّ من الغنيمة يعزّر ولا يقطع ؛ لأنّ له حقّاً في الغنيمة، فيكون ذلك مانعاً من قطعه ؛ لأنّ الحدود تدرأ بالشّبهات، فأشبه ما لو سرق من مال مشترك بينه وبين غيره‏.‏

ووافقهم المالكيّة فيما كان قبل الحوز أو دون النّصاب، والمذهب أنّه يقطع إذا سرق نصاباً بعد الحوز، ولم يجعلوا كونه من الغانمين الّذين لهم حقّ في الغنيمة شبهةً تدرأ عنه الحدّ‏.‏ ورجّح بعضهم أنّه يقطع إذا سرق بعد الحوز نصاباً فوق منابه من الغنيمة‏.‏

والجمهور أنّه لا يحرق رحله ولا متاعه ؛ لأنّ الإحراق إضاعة للمال، وقد «نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك»‏.‏

ويرى الحنابلة والأوزاعيّ أنّ من غلّ من الغنيمة حرق رحله كلّه ومتاعه كلّه، إلاّ المصحف وما فيه روح، واستدلّوا بحديث‏:‏ «إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فاحرقوا متاعه واضربوه»‏.‏

ما يؤخذ من الغنيمة ولا يعتبر غلولاً

4 - ذهب الفقهاء إلى جواز الانتفاع من الغنيمة قبل قسمها بالطّعام والعلف للدّوابّ، سواء أذن الإمام أو لم يأذن‏.‏

وتفصيل ذلك فيما يلي‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ وينتفع الغانم منها، لا التّاجر ولا الدّاخل لخدمة الغانم بأجر، إلاّ أن يكون خبز الحنطة أو طبخ اللّحم فلا بأس به لأنّه ملكه بالاستهلاك، وينتفع الغانم من الغنيمة في دار الحرب بلا قسمة بالسّلاح والرّكوب واللّبس - إن احتيج للسّلاح والدّابّة واللّبس - إذا لم يجد غيرها، يجوز أن يستعمل كلّ ذلك، وإلاّ فلا، وبالعلف والدّهن والطّيب مطلقاً، أي ينتفع بها سواءً وجد الاحتياج أم لم يوجد‏.‏ وفي الكافي وغيره‏:‏ ولا بأس أن يعلف العسكر دوابّهم ويأكلوا ما وجدوا من الطّعام كالخبز واللّحم وما يستعمل فيه كالسّمن والزّيت، ويستعملوا الحطب ؛ لأنّ الحاجة تمسّ إليها، ويجوز استعمال كلّ ذلك للغنيّ والفقير بلا قسمة بشرط الحاجة كما في السّير الصّغير، وفي السّير الكبير لم يشترط الحاجة استحساناً، ووجه الاستحسان‏:‏ قوله عليه الصلاة والسلام « في طعام خيبر‏:‏ كلوا واعلفوا ولا تحملوا»، ولأنّ الحكم يدار على دليل الحاجة وهو كونه في دار الحرب، بخلاف السّلاح والدّوابّ لا يستصحبها فلا يوجد دليل الحاجة في أكثر المعتبرات، وقيّد جواز الانتفاع بما إذا لم ينههم الإمام عن الانتفاع بالمأكول والمشروب، وأمّا إذا نهاهم فلا يجوز الانتفاع به لكن يعتبر هذا الشّرط بما إذا لم تكن حاجتهم إليه موجودةً وإلاّ لا يعمل بنهيه‏.‏

وظاهر كلامهم أنّ السّلاح لا يجوز أخذه إلاّ بشرط الحاجة اتّفاقاً، وأطلق في الطّعام مهيّأً للأكل أم لا، فيجوز ذبح الماشية، وتردّ جلودها للغنيمة‏.‏

واستدلّ الحنفيّة بما روي عن عبد اللّه بن مغفّل رضي الله عنه‏:‏ «أصبنا جراباً من شحم يوم خيبر فالتزمته، فقلت‏:‏ لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً، فالتفتّ فإذا رسول اللّه مبتسماً»‏.‏ ولم يأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بردّه في الغنيمة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجوز للمحتاج أن يأخذ من الغنيمة - لا على وجه الغلول - نعلاً ينتعل به، وحزاماً يشدّ به ظهره، وطعاماً يأكله ونحوه كعلف لدابّته وإبرة ومخياط وخيط وقصعة ودلو، وإن نعماً يذبحه ليأكله أو يحمل عليه متاعاً، ويردّ جلده للغنيمة إن لم يحتج إليه‏.‏ ومن الجائز ثوب يحتاج للبسه أو يتغطّى به، وسلاح يحارب به إن احتاج ودابّة يركبها أو يقاتل عليها، ويأخذ الثّوب وما ذكرناه بعده إن احتاج وقصد الرّدّ لها بعد قضاء حاجته، لا إن قصد التّملّك فلا يجوز‏.‏

وكلّ ما فضل عن حاجته من كلّ ما أخذه - سواء اشترط في أخذه الحاجة أم لا - يجب ردّ ما زاد منه إن كثر بأن ساوى درهماً فأعلى، لا إن كان تافهاً‏.‏

فإن تعذّر تصدّق به كلّه على الجيش وجوباً بعد إخراج خمسه‏.‏ وفي الشّرح الكبير‏:‏ وليس منه - أي من الغلول المحرّم - أخذ قدر ما يستحقّ منها إذا كان الأمير جائراً لا يقسم قسمةً شرعيّةً، فإنّه يجوز إن أمن على نفسه، ثمّ قال بعد ذلك‏:‏ وجاز أخذ محتاج من الغانمين ولو لم تبلغ حاجته الضّرورة، سواء أذن له الإمام أو لم يأذن، ما لم يمنع الإمام من ذلك، قال الدّسوقيّ معلّقاً على قوله فلا يجوز أن يأخذ إذا منع الإمام، قال‏:‏ لكنّ الّذي في المدوّنة ولو نهاهم الإمام ثمّ اضطرّوا إليه جاز لهم أخذه، ولا عبرة بنهيه، قال أبو الحسن‏:‏ لأنّ الإمام إذ ذاك عاص، قال البنانيّ‏:‏ وأخذ المحتاج من الغنيمة محلّ جوازه إذا أخذه على وجه الاحتياج، لا على وجه الخيانة، وكان أخذ على نيّة ردّه، وأن يكون المأخوذ معتاداً لمثله، لا حزاماً كأحزمة الملوك فلا يجوز أخذه‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ للغانم التّبسّط في الغنيمة قبل القسم‏:‏ بأخذ القوت وما يصلح به كالشّحم واللّحم وكلّ طعام يعتادون أكله عموماً قبل القسمة وقبل احتياز ملك الغنيمة، والمراد بالتّبسّط التّوسّع، والصّحيح عندهم جواز الفاكهة‏.‏ ويجوز ذبح حيوان لغير لحمه إذا قصد به الأكل، كأن يقصد أكل الجلد، أمّا إذا قصد بالجلد غير الأكل كأن يجعل سقاءً أو خفافاً فلا يجوز، ويضمن قيمته، كما لا يجوز الذّبح لذلك ويضمن ذابحه جلده وقيمته‏.‏

ولا يختصّ الجواز بمحتاج إلى طعام وعلف، وقيل‏:‏ يختصّ به فلا يجوز لغيره أخذهما لاستغنائه عن أخذ حقّ الغير‏.‏

ولا يجوز الأخذ من الغنيمة لغير الغانمين على مذهب الشّافعيّة، والخلاف عندهم في جواز الأخذ مطلقاً للغانم أو للمحتاج لا غير‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يجوز للغزاة إذا دخلوا أرض الحرب أن يأكلوا ممّا وجدوا من الطّعام ويعلفوا دوابّهم، واستدلّوا لذلك بحديث عبد اللّه بن أبي أوفى‏:‏ «أصبنا طعاماً يوم خيبر، فكان الرّجل يجيء فيأخذ منه قدر ما يكفيه ثمّ ينصرف» وحديث ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ «كنّا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه» ؛ ولأنّ الحاجة تدعو إليه وفي المنع منه مضرّة بالجيش ودوابّهم، فإنّه يصعب نقله من دار الإسلام، ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه، ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه، ولا يمكن قسمة ما يأخذه الواحد منهم، ولو قسم لم يحصل للواحد منهم شيء ينتفع به أو يدفع به حاجته، فأبيح للمجاهد ذلك من أخذ شيء من الطّعام يقتات به ويصلح به القوت من الإدام أو غيره، أو علف لدابّته، فهو أحقّ به من غيره، سواء كان له ما يستغني به عنه أو لم يكن، ويكون أحقّ بما يأخذه من غيره فإن فضل منه ما لا حاجة له به إليه ردّه على المسلمين ؛ لأنّه إنّما أبيح له ما يحتاج إليه‏.‏

تملّك ما بقي ممّا أبيح له أخذه قبل القسم

5 - عند الحنفيّة‏:‏ ما فضل ممّا أخذه قبل القسم ردّ إلى الغنيمة، أي هذا الّذي فضل ممّا أخذه قبل الخروج من دار الحرب لينتفع به، ردّه إلى الغنيمة بعد الخروج إلى دار الإسلام ‏;‏ لزوال حاجته والإباحة باعتبارها، وهذا قبل القسمة، وبعدها‏:‏ إن كان غنيّاً تصدّق بعينه إن كان قائماً، وبقيمته إن كان هالكاً‏.‏

أمّا إن كان فقيراً فينتفع بالعين ولا شيء عليه إن هلك ؛ لأنّه لمّا تعذّر الرّدّ صار في حكم اللّقطة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يردّ الفاضل من كلّ ما أخذه للأكل، إمّا يردّ بعينه إن كثر بأن كان قدر الدّرهم، فإن تعذّر ردّه لتفرّق الجيش تصدّق به كلّه بعد إخراج خمسه على المشهور، قال الدّسوقيّ‏:‏ الّذي في التّوضيح يتصدّق به كلّه ولو كطعام وهو خلاف المشهور، وقال ابن الموّاز‏:‏ يتصدّق منه حتّى يبقى اليسير فيجوز أكله‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ من رجع إلى دار الإسلام ومعه بقيّة ممّا تبسّطه لزمه ردّها إلى الغنيمة، والقول الثّاني لا يلزمه لأنّ المأخوذ مباح، ولا يملك بالأخذ، وإذا ردّها قسمها الإمام إن أمكن، وإلاّ أخرج لأهل الخمس حصّتهم فيها، وجعل الباقي للمصالح وكأنّ الغانمين أعرضوا عنه، وكان عدم لزوم حفظه له حتّى يضمّ لغيره لأنّه تافه‏.‏

وعند الحنابلة قال في المغني‏:‏ وما بقي من الطّعام فأدخله البلد طرحه في المغنم للغزاة في إحدى الرّوايتين، وفي الأخرى‏:‏ يباح له أكله إن كان يسيراً، أمّا الكثير فيجب ردّه بغير خلاف نعلمه، لأنّ ما كان مباحاً له في دار الحرب، فإذا أخذه على وجه يفضل منه كثير إلى دار الإسلام فقد أخذ ما لا يحتاج إليه فيلزمه ردّه، لأنّ الأصل تحريمه ؛ لكونه مشتركاً بين الغانمين كسائر المال، وإنّما أبيح منه ما دعت الحاجة إليه، فما زاد يبقى على أصل التّحريم، ولهذا لم يبح له بيعه، وأمّا اليسير ففيه روايتان إحداهما‏:‏ يجب ردّه أيضاً، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أدّوا الخيط والمخيط» ولأنّه من الغنيمة ولم يقسم، فلم يبح في دار الإسلام كالكثير لو أخذه في دار الإسلام، والثّاني‏:‏ مباح، وهو قول مكحول والأوزاعيّ، قال أحمد‏:‏ أهل الشّام يتساهلون في هذا، وقد روى القاسم عن عبد الرّحمن عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كنّا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمه، حتّى إن كنّا لنرجع إلى رجالنا وأخْرِجَتُنَا منه مُملأة»‏.‏

وقال الأوزاعيّ أدركت النّاس يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم إلى بعض، لا ينكره عامل ولا إمام ولا جماعة، وهذا نقل للإجماع ؛ ولأنّه أبيح إمساكه عن القسم فأبيح في دار الإسلام، كما أبيح في دار الحرب في الأشياء الّتي لا قيمة لها‏.‏ ويفارق الكثير فإنّه لا يجوز إمساكه عن القسمة لأنّ اليسير تجري المسامحة فيه ونقصه قليل بخلاف الكثير‏.‏